"حماس" ونظام الأسد.. صداقة لدودة وتحالف لم ينضج يوما
عمان - قدس برس
|
ديسمبر 10, 2024 10:21 ص
شكلت الثورة السورية التي اندلعت في آذار/ مارس 2011 علامة فارقة في علاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالنظام السوري آنذاك، وتدحرجت بشكل متسارع حتى وصلت حد "القطيعة" والخروج من دمشق.
وبعد مرور بضعة أشهر على اندلاع الثورة، وفي محاولة لاستثمار وجودها في دمشق، طلب النظام رسميا من حركة "حماس" تحديد موقف مما يجري، وهو ما ردت عليه الحركة بالتأكيد على أن تحالفها معه هو تحالف ضد العدو الصهيوني، وليس ضد الشعب السوري، وانتهى الموقف إلى إصدار الحركة بيانا حياديا اعتبرته دوائر النظام بمثابة خيانة لها في مواجهة الاستحقاق الذي تواجهه.
رفضت قيادة "حماس" حينها أنّ يوظف النظام وجودها في دمشق سياسيًا لمصلحته، كان النظام آنذاك بدأ إحدى أسوأ عمليات القمع المسلح ضد شعبه الذي خرج مطالبا بإصلاحات، لذلك قررت الحركة الخروج تدريجيًا وبهدوء، واكتمل الخروج مع مغادرة رئيس الحركة آنذاك خالد مشعل دمشق في كانون الثاني/يناير 2012.
وبعد ذلك بشهر، وجه رئيس حركة "حماس" في غزة آنذاك، إسماعيل هنية، كلمة للثوّار السوريين، في خطبة ألقاها يوم 25 شباط/فبراير 2012 من الجامع الأزهر في القاهرة، قائلا لهم "إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل، الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح".
ووصلت العلاقة بين "حماس" والنظام السوري، إلى أسوأ مراحلها، حينما رفع خالد مشعل الذي كان يرأس الحركة، علم الثورة السورية، خلال احتفال "حماس" بذكرى انطلاقتها الـ 25 في غزة (9 كانون أول/ديسمبر 2012)، التي كان يزورها مشعل آنذاك، بينما كانت مصر تحت رئاسة الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وتوالت التصريحات من قبل قيادات "حماس" في إدانة أعمال العنف تجاه المدنيين السوريين من قبل نظام الأسد، حيث اعتبر مشعل أن من حق السوريين الانتفاض والمطالبة بحقوقهم بشكل سلمي، داعياً إلى توجيه البندقية لتحرير فلسطين.
مغادرة دمشق رفضا للتماهي مع جرائم النظام:
وكشف مصدر قيادي في "حماس"، عن أنه مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا حاول رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، التواصل مع قيادة النظام في دمشق مقدما لها نصائح واضحة وصريحة بخصوص الإصلاح السياسي، ومحذرا من أن قطار الإصلاح لن يتوقف عند حدود سوريا، وأن الشعب السوري ينشد الحرية مثله مثل سائر الشعوب العربية.
وتحدث المصدر لـ "قدس برس" طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، عن التحديات التي واجهتها "حماس" بسبب اتخاذها قرارا يساند الشعب السوري، مشيرا إلى أن الحركة "شرعت منذ شهور في ترتيب أوضاعها من أجل الخروج من سوريا، الأمر الذي كان يتم بشكل تدريجي وصولا إلى الخروج النهائي".
وقال "الأمر لم يكن سهلا بحال في ظل وجود أناس ليس بوسعهم الخروج من هناك لاعتبارات الوثائق التي يحملونها... فضلا عن الخوف على الجالية الفلسطينية التي تحسب بهذا القدر، أو ذاك على حماس".
ماذا يفعل قادة "القسام" في سجون النظام السوري؟
ويشير الكاتب والباحث السياسي الأردني، أحمد أبو غنيمة إلى التقارير الإعلامية التي كشفت عن وجود قياديين في "كتائب القسام" والعشرات من كوادر حركة "حماس" في سجون النظام السوري السابق؛ قائلا إن هذا"يعبر بوضوح عن عمق وإشكالية العلاقة ما بين الحركة والنظام السابق بشكل لم يكن متداولا إعلاميا وسياسيا من قبل".
وشدد أبو غنيمة في حديث مع "قدس برس" على أن "اندلاع الثورة السورية في بداية العام ٢٠١١، شكلت نقطة الافتراق الأشد وضوحا بين حماس والنظام السابق؛ عندما انحازت حماس لخياراتها الأخلاقية المبدئية في دعم الشعب السوري في المطالبة بالحرية والكرامة" على حد تعبيره.
وأضاف "وجدت حماس نفسها وقتذاك بين مطرقة الدعم الذي كان يقدمه النظام السابق للحركة؛ سياسيا وإعلاميا وعسكريا إلى جانب استضافة المكتب السياسي للحركة بعد خروجه من الأردن عام ١٩٩٩، وبين سندان الالتزام بمبادئها الأخلاقية والإنسانية والدينية التي تحتم عليها عدم القبول بأي شكل من الأشكال بما يقوم له النظام السابق من انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري".
ولفت أبو غنيمة إلى أن "هذا الموقف الأخلاقي والإنساني كلف حركة حماس الخروج من سوريا، ونقل مكاتبها السياسية والإعلامية لدول أخرى، ووصلت العلاقة بين الطرفين للقطيعة الكاملة، وتم التعرض إعلاميا بالنقد الحاد لموقف الحركة من رئيس النظام السوري السابق؛ بسبب موقفهم المساند للثورة السورية".
وأكد الباحث السياسي الأردني على أن "انحياز حركة حماس لمبدئها الأخلاقي الذي به، ومن خلاله تحارب الكيان الصهيوني، كان العنوان الأبرز في مواقفها السياسية تجاه الثورة السورية، هذا المبدأ الأخلاقي الذي يقوم على حق الإنسان، سواء كان فلسطينيا أو سوريا في العيش في أرضه ووطنه بحرية وكرامة وعدالة" وفق ما يرى.
عودة إكراهات وضغوط سياسية:
في أيلول/سبتمبر 2022، أعلنت حركة "حماس" عبر بيان لها، عن عودة العلاقات مع النظام السوري، لم يشمل هذا الإعلان إعادة فتح مكاتب للحركة أو عودة قيادات إلى دمشق، باستثناء زيارة لمسؤول العلاقات العربية والدولية، خليل الحية، لدمشق ضمن وفد فصائل فلسطينية، وصورة جمعته مع رئيس النظام آنذاك بشار الأسد.
بدا واضحا أن إعلان عودة العلاقات بين "حماس" والنظام السوري، لم تكن آنذاك سوى جزء من حملة علاقات عامة للدول الحليفة لسوريا، إيران وروسيا، اللتين ضغطتا باتجاه عودة تلك العلاقة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عياد بالصدد هذا، إن بشار الأسد "لم يكن معنيا بالمصالحة مع حماس... ولم يكن صادقا يوما في موقفه تجاه فلسطين" وفق ما يرى.
وشدد على أن "قيادة حركة حماس كانت تدرك تماما حدود علاقة النظام السوري معها وحدودها هي في تلك العلاقة... فوتت على النظام كل فرص استغلالها لكي يحصل منها على أي نوع من أنواع الشرعية".
وأوضح عياد، في حديث مع "قدس برس" أن المصالحة بين "حماس" والنظام السوري "كانت نتاج الضغوط التي مورست عليه من إيران وحزب الله، ولم تكن رغبة حقيقية من النظام في دعم القضية الفلسطينية".
وأضاف "نظام (السوري المنحل) يستثمر في القضية الفلسطينية، ولا يعتبرها قضيته على وجه الحقيقة، كان ينظر لفلسطين كاستثمار يكرس من خلال شرعيته لدى المجتمع السوري العروبي" على حد تعبيره.
واستطرد "كان النظام السوري (المنحل) يبحث عن شريعته في الملف الفلسطيني... وحينما رفضت حماس أن تتماهى معه في جرائمه بحق شعبه، انقلب عليها وأظهر وجهه الحقيقي وأقصاها".
واستدل الباحث السياسي الأردني على كلامه قائلا "لم يسجل لنظام الأسد أي موقف مؤيد أو مساند لعملية طوفان الأقصى، أو حتى مستنكر لجرائم الاحتلال... لم ينع حتى قادة حماس الذين ارتقوا خلال العام الماضي، ولم يتقدم بأي مبادرة تشير إلى أنه يتفاعل مع حلفائه حتى ولو بالمواقف الإعلامية".
وأضاف "انقلب نظام بشار الأسد حتى على حلفائه حزب الله وإيران عندما دخلوا في مواجهة مباشرة مع إسرائيل... بدأ ينحاز أكثر وأكثر باتجاه المحور الأقرب للولايات المتحدة" وفق تقديره.
وختم بالقول "لم يكن النظام السوري المنحل ينظر إلى القضية الفلسطينية سوى أنها وسيلة للحفاظ على الحكم الاستبدادي، وكانت حركة حماس تدرك ذلك تماما، حيث فوتت عليه فرصة استخدامها كأداة، فتآكلت شرعية النظام بشكل واضح، ولم يعد قادرا على تبرير جرائمه".
يشار إلى أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" باركت للشعب السوري نجاحَه في تحقيق تطلّعاته نحو الحريّة والعدالة، ودعت كلّ مكوّنات الشعب السوري إلى توحيد الصفوف، ومزيد من التلاحم الوطني، والتعالي على آلام الماضي.
وقالت الحركة في بيان صحفي، الاثنين (9 كانون أول/ديسمبر)، "إنَّنا في حركة حماس وشعبنا الفلسطيني نقف بقوَّة مع الشعب السوري العظيم، ونؤكّد وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وعلى احترام الشعب السوري وإرادته واستقلاله وخياراته السياسية".