معلمون في الضفة: السلطة تتخذ إجراءات عقابية بحقنا
ما تزال العملية التعليمية في الضفة الغربية تشهد إرباكا، بعد مرور نحو عشرة أيام على انطلاق العام الدراسي الجديد، بسبب التنقلات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية، وطالت مئات المعلمين والمعلمات الذين كانوا منخرطين في حراك المعلمين الموحد العام الماضي.
وفي وقت، رفض فيه العديد من مدراء المدارس تنفيذ قرارات النقل الصادرة بحقهم، ضاعفت الوزارة من عقوباتها، وأنزلت عليهم عقوبة الفصل من العمل، وعدم منحهم المدة القانونية للاعتراض كما ينص القانون.
وقالت ماسة أبو حامد (اسم مستعار) أن مديرية التربية والتعليم في منطقتها بجنوب الضفة الغربية، أبلغتها بوقفها عن العمل كمديرة لمدرسة في بلدة "بيت أمر"، والطلب منها مغادرة مكان عملها، إلى حين التئام لجنة التحقيق، بسبب رفضها تنفيذ قرار نقلها إلى مدرسة أصغر في البلدة ذاتها، وتقديمها اعتراضاً رسمياً على ذلك.
وقالت المديرة المفصولة، لـ "قدس برس" إن سبب القرار جاء بسبب مشاركتها الفاعلة في إضراب المعلمين، والذي استمر لقرابة 80 يوما، للمطالبة بحقوقهم، العام الماضي.
وشككت المديرة بادعاءات الوزارة بأن عمليات النقل لأسباب فنية فقط، مشيرة إلى أن "الغالبية العظمى من التنقلات طالت الحراكيين فقط".
وقال أحد المعلمين المنقولين تعسفيا لـ "قدس برس"، إنه فوجئ "بوجود عشرات المعلمين من أمثاله الذين وقع عليهم الظلم يوجَدون في مقرات مديرياتهم، ما تسبب بحالة إرباك شديدة وعدم انتظام العملية التعليمية في معظم مدارس الضفة الغربية حتى الآن".
ورأى أن "عملية النقل كانت انتقامية بامتياز، والسبب هو انخراطنا العام الماضي في حراك المعلمين للمطالبة بحقوقنا، وأنا أتحدى الوزارة إن كان هناك أي حاجة فنية كما يدعون لتنفيذ أكثر من 500 عملية نقل على مستوى الضفة الغربية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الوزارة" بحسب قوله.
ويقف إلى جانبه معلم آخر حضر ليعترض على نقله إلى قرية تبعد عن بيته أكثر من ساعة، ويحتاج إلى ارتياد ثلاث وسائل نقل ليصل إليها.
ووصف ما جرى بأنه "مجزرة بحق المعلمين وعملية انتقامية غادرة، لإرضاء غرور الأجهزة الأمنية (في السلطة الفلسطينية) التي كانت ترفع دوما تقارير بأسماء المعلمين المضربين خلال العام الماضي... وعندما فشلت في كسر وحدة المعلمين لجأت إلى العقوبات، ومنها النقل التعسفي" بحسب ما يرى.
وتابع "صحيح أنه على الموظف الحكومي الالتزام بالقرارات الإدارية، لكن من حقه أيضا الاعتراض عليها بالطرق التي سمح بها القانون، وخاصة عندما يشعر الموظف بالتعسف، فله الحق أن يتقدم بتظلم حتى يرجع إليه حقه".
ويضيف "كانوا يصرفون لي مبلغا زهيدا جدا بدل مواصلات داخلية، ولكن اليوم يتوجب عليّ دفع خمسة أضعافه لأصل إلى المدرسة التي نقلت إليها، وهذا طبعا غير محسوب في قسيمة الراتب، ما يعني أنني سأدفعه من جيبي".
أما عضو "لجنة المتابعة مع القائمين على مبادرة حل أزمة التعليم" عمر محسين، الذي نقل أيضا من مدرسته، فأوضح أن أعداد المعلمين الذين نقلوا تعسفيا، والمدراء الذين أوقفوا عن العمل، يصل لقرابة 400 معلم ومعلمة، فيما تسلم خمسة مدراء على الأقل كتبا بوقفهم عن العمل.
وكانت وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية، وعلى لسان الناطق باسمها والوكيل المساعد صادق الخضور، نفت أن تكون عمليات النقل مرتبطة بالإضراب، مؤكدا أنها تمت لأسباب فنية، وأن الوزارة لن تتوانى عن التراجع عن أي نقل يثبت أنه حصل خارج المعايير المتبعة.
الجهات الراعية
وطالب المعلمون المنقولون تعسفيا الجهات التي رعت الاتفاق الذي أنهى الإضراب العام الماضي، من بينهم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، ومفوّض الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، بالتدخل وإنهاء هذا الظلم الواقع على مئات المتضررين.
وأكدوا أن استمرارها يضع مصداقية تلك الجهات "على المحك"، لا سيما أنها تعهدت بعدم فرض إجراءات عقابية على المعلمين المضربين سواء إدارية أو مالية.
موقف الحراك
وكان "حراك المعلمين الموحد" أصدر مؤخرا بيانا أكد فيه للمعلمين المنقولين ضرورة الذهاب للمدرسة التي نقلوا إليها، وتقديم كتب اعتراض، مع عدم تعبئة كتب مباشرة العمل، وعدم الدخول إلى الحصص الصفية، وعدم التعاطي مع مكاتب التربية إلا في إطار رفض قرارات النقل.
ولمح الحراك إلى ذهابه لسلسلة فعاليات بعد استحقاق راتب شهر آب/أغسطس الجاري، حيث كان الحراك تراجع بداية العام الدراسي عن الإضراب المفتوح، وأقر إضرابا جزئيا تحذيريا، وجمده بعد يومين من بدء العام الدراسي، معطيا فرصة لصرف راتب كامل وجزء من المستحقات السابقة، حيث تواصل حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله صرف 80 بالمئة تقريبا من الرواتب منذ عامين تقريبا.
وكانت "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" طالبت في 23 آب/أغسطس الجاري وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية، بتقديم توضيحات بخصوص نقل عدد من معلمي ومعلمات ومدراء ومديرات مدارس من أماكن عملهم، ووجهت مخاطبة لوزير التربية والتعليم مروان عورتاني بضرورة مراجعة قرارات النقل والتأكد من عدم وجود أي تعسف أو عقوبة فيها.
يذكر أن "حراك المعلمين الموحد" بدأ في الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي، إضراباً عن العمل في كافة المدارس الحكومية بالضفة الغربية، بعد تنصل حكومة محمد اشتية من تنفيذ اتفاق أبرم العام الذي سبقه، ينص على دفع علاوة قيمتها 15 بالمئة، وانتظام الراتب، وإنشاء جسم نقابي، أو إجراء انتخابات ديمقراطية غير مشروطة في "اتحاد المعلمين".