تحليل.. ماذا يعني إصدار مذكّرات اعتقال بحق قادة الكيان؟
أكد مختصّون في القانون الجنائي الدولي، في تصريحات خاصة منفصلة لـ"قدس برس"، اليوم الخميس، على أنّ إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، سيكون له "تبعات ونتائج هامّة جداً على أكثر من صعيد".
حيث قالت المتخصّصة في القانون الجنائي الدولي، ترتيل تركي الدرويش، إنّ "للمحكمة الجنائية الدولية السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة كجريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجرائم العدوان، ويُطبق إختصاص المحكمة وفقاً للمادة 27 من النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية".
وأوضحت أن "هذه الصفة لا يُمكن أن تعفي الشخص المعني بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية، مهما علت صفته أو مكانته، هذا بالإضافة الى أن الحصانات أو القواعد الإجرائية المتعلقة بصفة الشخص المعني لا تحول دون ممارسة المحكمة لإختصاصها".
وأشارت إلى أنه "منذ إنضمام فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2015، باتت الجرائم التي تُرتكب من جانب الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينة تدخل ضمن دائرة إختصاص المحكمة وولايتها القضائية".
ولفتت إلى أنه "رغم أن الاحتلال ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، الا أن نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة يمنحها الولاية القضائية ليس فقط على مواطني الحكومات التي انضمت إلى المحكمة، بل وأيضًا على الجرائم المرتكبة على أراضي أعضائها".
واعتبرت أن"صدور مذكرات اعتقال بحق بعض قادة الاحتلال سيكون له العديد من التداعيات الهامة على أكثر من صعيد، حيث ستكشف المذكرات أن الاحتلال (مجرم حرب)، ما قد يدفع العديد من الدول إلى عزل الاحتلال، وقطع علاقاتها الدبلوماسية معه، وهذا ما سيضيق الخناق عليه لإجباره على اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار".
كما أشارت إلى أن"حكومة الاحتلال تواجه حالياً العديد من الاحتجاجات والمواجهات مع الرأي العام المحلي الذي يتهمها بعدم وضع مسألة المختطفين ضمن أولوياتها، ومع الرأي العام الدولي الذي اتسعت رقعته لتشمل أروقة الجامعات الأمريكية، في تطور ملفت لكمية وحجم الاحتجاجات التي ترفض سياسة عدم وقف إطلاق النار والتي باتت تشكّل حملة دولية للضغط على الاحتلال لوقف الحرب".
كما أكدت على أنه "بالإضافة إلى ذلك، فلا يمكننا أن نغفل النتائج الكارثية التي التي ستؤثر مباشرة على عجلة الاقتصاد (الإسرائيلي)، بما فيه السياحة والتجارة، في حال صدور مذكرات الاعتقال عن المحكمة الجنائية الدولية".
كما لفتت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يعيش هاجساً جدياً يتعلّق بمدى إمكانية تحميل بعض قادته المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها في فلسطين، لا سيما بعد أحداث 7 اكتوبر، وقد تترجمت هذه المخاوف بمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض".
من جهته، قال الأكاديمي والباحث المتخصّص في "العدالة الجنائية"، مازن شندب، إنه "قبل أن يصدر قرار المحكمة الجنائية الدولية بدأ الهجوم المضاد عليها وعلى أي قرار توقيف يصدر من قبل دائرتها التمهيدية، من قبل نتنياهو وحكومته، إلا أن غير الطبيعي هو مهاجمة السلطة التشريعية في أميركا المحكمة، الأمر الذي يسلط الضوء على الأسباب والتي هي نفسها تداعيات لقرار مرتقب تصدره المحكمة الجنائية الدولية".
وأكّد شندب على أنه "بالنظر إلى الطابع الجنائي للمحكمة، فإن إصدارها قرارات قضائية بحق الثلاثي؛ نتنياهو وغالانت وهاليفي، يثبت الإجرام المنظم الذي يرتكبه جيش الإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".
كما اعتبر أنه من المؤكد أن "القرار في حال صدوره عن المحكمة الجنائية الدولية سينطلق من جرائم الحرب التي لا يختلف عاقلان على ارتكابها من قبل ألوية الإحتلال".
كما أكد على أن "الهستيريا (الإسرائيلية) ستقع إذا اعتبرت الجنائية الدولية أن نتنياهو أمر بارتكاب جرائم إبادة منصوص عنها في المادة 6 من نظام المحكمة، ذلك أن هكذا اتهام سيكون له تأثيراته الكبرى على أي قرار مستقبلي سوف تصدره محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال في الدعوى التي رفعتها ضده جنوب افريقيا".
هذا وتناقلت وسائل إعلام متعددة خبر إمكانية قيام المحكمة الجنائية الدولية، بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال، وذلك على خلفية حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
ومن المتوقع أن تصدر هذه المذكرات خلال الأيام القليلة المقبلة، وعلى إثر هذه الأخبار فقد نقلت وسائل إعلام عبرية أنّ "اجتماعًا طارئًا غير معلن ضم نتنياهو، وكذلك وزير القضاء، ووزير الشؤون الإستراتيجية، وشخصيات مختصة في القانون الدولي؛ لبحث تبعات هذا القرار".
كما طالب نتنياهو كلًا من ألمانيا وفرنسا بـ"التدخل العاجل للضغط على المحكمة الجنائية الدولية، لعدم إصدار هذه المذكرات".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عدوانه على قطاع غزة، لليوم 209 على التوالي، بمساندة أميركية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 34 ألفا و596 شهيدا، وإصابة 77 ألفا و 816 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 1.7 مليون شخص من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.