كشفت الاشتباكات التي اندلعت وسط مدينة (تل أبيب) الأحد عشية ما يسمى "يوم الغفران" العبري، بين المتشددين دينيا ومؤيدي الجماعات اليمينية، وبين خصومهم من أنصار اليسار والعلمانيين على خلفية الفصل بين الجنسين خلال الطقوس الجماعية التي أقيمت في عدد من الميادين العامة في دولة الاحتلال، عمق حالة الانقسام داخل فئات المجتمع الإسرائيلي.
ووفق تقارير عبرية، "تحدت جماعة دينية حريدية بلدية (تل أبيب) وأمرا من المحكمة العليا وأقامت فاصلا مرتجلا بين الرجال والنساء في صلاة جماعية في ساحة (ديزنغوف) بوسط (تل أبيب) في بداية يوم (الغفران) مساء الأحد، مما أثار رد فعل غاضب من النشطاء الليبراليين ومشادات كلامية بين الناشطين من الجانبين، وأدى إلى إلغاء الحدث، بعد أن نظم ما يقدر بنحو 200 ناشط (ضد تغليب مظاهر التدين في الحيز العام) مسيرة احتجاجية في الميدان، وهتفوا بكلمة "العار". وتم القبض على أحد المتظاهرين بعد أن صعد إلى المنصة التي أقيمت فيها الصلاة وأنزل الأعلام.
وشهد حدث مماثل ليلة الاثنين، بمناسبة نهاية اليوم الأكثر قداسة في التقويم اليهودي، اعتراضات من النشطاء وتم إلغاؤه. وكانت هناك مواجهات واحتكاكات في العديد من الأحداث العامة الأخرى التي تفصل بين الجنسين مساء الاثنين.
وفي حدث يوم الأحد، قام أعضاء في جماعة “روش يهودي” المتشددة، بتعليق الأعلام الإسرائيلية كحاجز مؤقت بين المصلين الرجال والنساء في ساحة ديزنغوف بالمدينة.
ثم قام المتظاهرون بإنزال الأعلام وإزالة الكراسي التي نصبها المنظمون، مما أدى فعليًا إلى منع إجراء الصلاة.
وبعد تفرق المجموعة الحريدية، تجمع مئات الناشطين العلمانيين في الساحة وهم يقرعون الطبول وينفخون في الأبواق ويرددون الهتافات.
كما أصدر المتظاهرون، والعديد منهم ينتمون إلى حركات الاحتجاج المناهضة للإصلاح القضائي التي هزت دولة الاحتلال في الأشهر الأخيرة، دعوات للاحتجاج على جميع جلسات الطقوس العامة التي تفصل بين الجنسين مساء الاثنين، عندما ينتهي يوم الغفران اليهودي.
كما تم الإبلاغ عن حوادث مماثلة في يافا، حيث تم نقل حدث عام مخطط له يفصل بين الجنسين إلى كنيس يهودي، وكذلك في حيفا وهرتسليا وهود هشارون وزخرون يعقوب.
ويأتي الصراع الدائر حول إقامة الطقوس وسط خلاف متزايد حول دور الدين في الأماكن العامة، والذي تفاقم وسط الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي.
ووسط الصدام بين القيم الدينية والعلمانية، حاصر مئات المتظاهرين الأسبوع الماضي كنيسًا يهوديًا في (تل أبيب) تستخدمه “روش يهودي” للاحتجاج على ظهور الحاخام ييجال ليفنشتاين، وهو شخصية بارزة في أكاديمية “بني ديفيد” قبل العسكرية، والذي وصف أعضاء مجتمع الميم بالـ“منحرفين” والنساء اللاتي يخدمن في الجيش الإسرائيلي بالـ“مجنونات”.
وقال الكاتب والمعلق القانوني في صحيفة /ميكور ريشون/ العبرية المقربة من اليمين الإسرائيلي شلومو بيوتر كوفسكي في مقال في الصحيفة: إن "يوم الغفران الذي كان لسنوات رمزا ومثالا للوحدة الإسرائيلية، والاحترام المتبادل، أصبح فجأة يوم الكراهية والانقسام"، مضيفا أنه من "السابق لأوانه تقييم كيفية كتابة أحداث هذا العام، وأنه لديه شعور قوي بأن أحداث يوم الغفران ، سوف تصبح معلمًا تاريخيًا، وليس من المعالم الإيجابية".
وأضاف "لقد ضاع كل شيء، ومقدر لنا أن ننقسم إلى دولتين، وتحطم العقد غير المكتوب الذي حافظ على تماسك إسرائيل على مدى نحو 70 عاما. لقد تحطمت لأنها بنيت على افتراضات أساسية خاطئة كان الجميع يعلمون منذ سنوات أنها خاطئة، ومع ذلك لم يتم القيام بأي شيء لتحديثها".
ردود فعل منقسمة
من جانبه أدان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأحداث، وألقى باللوم على "المتظاهرين اليساريين". وكتب على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: "سعى شعب إسرائيل إلى التوحد في يوم الغفران، طلبا للمغفرة والوحدة بيننا".
وتابع: "لدهشتنا، في الدولة اليهودية، في أقدس يوم للشعب اليهودي، خرج المتظاهرون اليساريون ضد اليهود أثناء صلواتهم. يبدو أنه لا توجد حدود ولا أعراف ولا حدّ لكراهية متطرفي اليسار". أنا، مثل غالبية المواطنين الإسرائيليين، أرفض ذلك. مثل هذا السلوك العنيف لا مكان له بيننا".
وعلق رئيس معسكر الدولة، بيني غانتس، على أقوال نتنياهو عبر حسابه على منصة X (تويتر سابقا) أنه "على مدى 75 عاما، تمكنت أغلبية كبيرة من الإسرائيليين من التوصل إلى اتفاقات بشأن الحيز العام في يوم الغفران، بحيث يتوافق مع المجتمع - ولم يقحموا السياسة في يوم الغفران". وأضاف: "الآن من قرر أن يفرق بيننا نجح في تدنيس هذا اليوم المقدس بالإكراه والكراهية غير المبررة. ومن غير رئيس الوزراء، أكبر مسبب للكراهية، سيختار في هذا الوقت تأجيج النار إلى جانب السياسيين الذين قرروا تحويل الحيز العام الخاص بنا إلى منطقة كوارث".
وأوضح غانتس أن "هناك منطق في السماح بإدارة الحيز العام وفقا لخصائص السكان، وفي هذه الحالة برأيي صدر حكم صائب يمنح بلدية (تل أبيب) حرية القرار بخصوص الإجراءات الواجب إتباعها. لكن يجب أن نتذكر – حيث يوجد من يجرنا إلى حرب الأشقاء فإن مهمة كل واحد منا هي منع ذلك."
كما عقب على الأحداث رئيس المعارضة في برلمان الاحتلال يائير لابيد الذي بدوره أدان تصريحات نتنياهو وقال موجها كلامه لـ نتنياهو "في إسرائيل لا ينبغي أن يخرج رئيس الوزراء بتصريح يغذي التحريض والنزاع، بل محاولة تهدئة الخواطر. لمعلوماتك، معظم الأشخاص الذين جاءوا للاحتجاج ضد الإكراه الذي يفرضه المسيحانيون صاموا وصلوا في يوم الغفران هذا. إنهم ليسوا ضد اليهودية، بل يحاولون إنقاذ اليهودية من المجموعة العنصرية والمتطرفة التي منحتهم السلطة كهدية".
أما بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف ووزير المالية في حكومة بنيامين نتنياهو فقد وصف المتظاهرين بـ "محرقي المخازن" (في إشارة إلى حرق المخازن التي حفظت الدقيق لفترة الحصار بيد الفرقاء اليهود أنفسهم الذين اختلفوا فيما بينهم، بحسب الرواية التلمودية).
وقال سموتريتش في تدوينة: "بينما كان ملايين اليهود في إسرائيل وحول العالم يصلون في الكنس وفي الأماكن العامة، يصومون ويتحدون ويطلبون المغفرة والتسامح، وارتبطوا بجذورنا وتقاليدنا، قامت مجموعة من مشعلي النار في المخازن العنيفين، بدعم من يائير لابيد، ودنسوا اليوم المقدس".