الإضراب الأكبر في الأردن منذ 53 عاما.. ماذا بعد؟

في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، دوّن التاريخ، مشاركة الأردنيين في إضراب عالمي شامل، شل مناحي الحياة كافة في البلاد، خاصة في مدن الوسط، الأكثر زخما وحركة تجارية واقتصادية.

وعم الإضراب، أمس الاثنين، محافظات الأردن كافة، وأغلقت المحال التجارية أبوابها، فيما أعلنت مئات الشركات وقف أعمالها وتعطيل موظفيها، إلى جانب إعلان مدارس وكالة الغوث "الأونروا" مشاركتها في الإضراب، لتشهد شوارع العاصمة عمّان، الأعلى كثافة سكانيا، وشوارع المدن الأخرى، تراجعا ملحوظا في حركة سير المركبات والمواطنين.

استجابة بغالبية ساحقة

الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، يعتقد أن ما حدث الاثنين في الأردن، كان أول إضراب شامل بهذا الحجم يستجيب له الأردنيون بغالبيتهم الساحقة، دون أن تكون جهة أردنية دعت إليه.

وقال الرنتاوي لـ"قدس برس"، إن "حجم تجاوب الأردنيين مع الإضراب، يعكس المزاج الشعبي المتلحم مع يوميات الكارثة بحق المدنيين في غزة، والبطولة التي تقدمها المقاومة الفلسطينية من جانب آخر".

وأضاف أن "الشعب الأردني يتابع فصول (الكارثة والبطولة) في غزة، ويتفاعل مع الأمرين معا من منطلق التلاحم مع الشعب الفلسطيني في مشروعه الوطني، ومن منطلق الدفاع عن الذات.

ويرى الرنتاوي، أن "العقل السياسي الأردني، درس منذ اليوم الأول للإعلان عن الإضراب، (مغزى ودلالات الإضراب)".

تطور على سياسات الحكومة

ولا بد أن تطورا سوف يطرأ على سياسات الحكومة في الأردن، تجاه الاحتلال الإسرائيلي، بعد الاستجابة الشعبية -شبه التامة- للإضراب، بحسب الرنتاوي.

ووفقا للرنتاوي، فإن "الإضراب كان تتويجا لمخاض طويل عاشه الشارع الأردني، منذ اليوم الأول للحرب على غزة".

ولا يزال تفاعل الأردن الرسمي والشعبي يتطور مع تطور الحدث، على ما ذكر الرنتاوي، الذي يأمل أن "يتوّج موقف الأردن بانفتاح أردني كامل على مختلف الأطياف الفلسطينية".

ولا يذكر الرنتاوي، خوض الأردنيين تجربة لإضراب شعبي شامل عم البلاد بهذا الحجم، "طوال حياته السياسية".

واعتبر، أن "التراجع في حركة الأردنيين في الشوارع، يُذكر في الأيام التي عاشها الأردنيون خلال أزمة جائحة كورونا".

تطور غير مسبوق في الاحتجاجات

وأكد أن "نجاح الإضراب يعد تطورا نوعيا غير مسبوق في الاحتجاجات، يُبنى عليه، ويبعث رسائل مهمة للجميع، أن الشعب حدد خياراته وانحيازاته".

ولا يرى الرنتاوي، أن "الحكومة ساهمت في نجاح الإضراب، ولم يكن فيه أي تدبير حكومي، في مسعى منها لإيصال رسائل إلى الغرب".

ولم تكن الأوساط شبه الحكومية في الأردن، سعيدة بالإضراب، في الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن حجم الخسائر الاقتصادية التي يرتبها على اقتصاد البلاد، يوضح الرنتاوي.

ويتفق وزير الثقافة السابق، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، مع الرنتاوي، في أنه "لم يكن للحكومة دور في الإضراب"، إلا أنه يرى أن "هنالك وجهتان للنظر في مؤسسات الدولة، بشأن الإضراب".

وتتمثل وجهة النظر الأولى، بحسب أبو رمان، في أنه "للناس حرية الإضراب"، خاصة في مثل حالة الحرب على غزة، فيما تتخوف وجهة النظر الأخرى من الإضراب وما قد يؤدي إليه من تحفيز لاحقا، لتنفيذ فعاليات مشابهة.

الإضراب الأكبر منذ 1970

وقال أبو رمان لـ"قدس برس"، إن "الإضراب كان الأكبر منذ نحو 53 عاما، حيث عم البلاد آنذاك إضراب شامل عام 1970، دعت له النقابات المهنية إبان أحداث ما يعرف بـ"أيلول الأسود".

وأضاف أنه "لم تكن هناك ممناعة حقيقية من قبل الدولة للإضراب، في حين كانت هناك مخاوف لم تترجم إلى سياسات رسمية ضد الإضراب، أو معه".

وأوضح أن "هناك قلقا من أن مثل هذه الإضرابات التي تشهد تفاعلا كبيرا من قبل شريحة اجتماعية واسعة، تعطي علامة أن الشارع لديه القدرة على فعل شيء ما، في مواجهة حدث ما".

ووفقا لأبو رمان، فإن "الحكومة تساهلت مع الإضراب الذي شهد تجاوبا مدهشا محليا، لأنه كان بدعوة عالمية، ولم تكن بحاجة إلى التعامل مع رسائله بسبب تناغمه بشكل كبير مع موقف الدولة الدبلوماسي".

أزمة دبلوماسية أردنية مع الاحتلال

ويرى أبو رمان، أن "الأردن في مرحلة أزمة دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تصريحات الملك عبد الله الثاني، وولي العهد ووزير خارجية البلاد، تتصاعد بشكل كبير".

وأوضح أن "اجتماع الملك أخيرا مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، أعطى رسالة واضحة، مفادها أنه يجب عدم الالتفات إلى كل من يدعو داخليا، لابتعاد الأردن عن القضية الفلسطينية".

وبحسب أبو رمان، فإنه لا يرى أن "الإضراب مؤشر إلى غليان الشارع وتوجهه إلى مرحلة جديدة من الاحتجاجات، لأن الحراك الشعبي في الشارع الأردني يستجيب لكل الدعوات التضامنية مع الشارع الفلسطيني".

ويرجع أبو رمان، إلى "تجاوب الأردنيين مع دعوة الناطق العسكري باسم كتاب (القسام) أبو عبيدة، ونزولهم للاحتجاج في الشوارع وفي محيط سفارة الاحتلال الإسرائيلي وسط العاصمة عمّان، ووصلوهم إلى بواباتها لأول مرة تاريخيا".

تهديد الأمن القومي الأردني

"موقف الدولة تحديدا في هذه المرحلة، إذا لم يتجاوز موقف الشارع فهو يتوازى معه"، على ما ذكر أبو رمان الذي أكد أن "الملك عبد الله الثاني يرى أن المشروع الصهيوني اليوم بهذه الأهداف والصيغة، تهديد للأمن القومي الأردني".

ويقول أبو رمان، إن "الأردن وصل إلى مرحلة ساعة الحقيقة، المتمثلة بأن المشروع الصهيوني اللي تناور الحكومة في حقيقته، سيأتي على حساب الأردن".

وأطلق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، دعوات لإضراب شامل حول العالم، الاثنين، من "أجل الضغط باتجاه الإضراب الشامل على مستوى العالم، بهدف الضغط على الحكومات وإجبارها على التحرك بجدية لوقف مجازر الاحتلال المتواصلة منذ أكثر من شهرين".

ويعتقد القائمون على الحملة، أن "شلّ حركة الحياة والعجلة الاقتصادية في كل الدول، قد يسهم في جعل الجميع يشعرون بأنهم متأثرون بشكل مباشر من العدوان على غزة".

ومنذ 67 يوما، يواصل الاحتلال الإسرائيلي بمساندة أمريكية وأوروبية عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين، وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والوقود، ما أدى لارتفاع حصيلة الشهداء إلى 18 ألفا و412 شهيدا، وأكثر من 50 ألف جريح، 70% منهم نساء وأطفال.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الشرطة الأمريكية تفض اعتصام الطلاب بجامعة كولومبيا
مايو 1, 2024
فضت قوات شرطة مدينة نيويورك الأمريكية مخيم التضامن مع قطاع غزة، الذي أقامه الطلاب في جامعة كولومبيا. وأوقفت الشرطة، فجر اليوم الأربعاء، نحو 100 من الطلاب المناصرين لفلسطين المعتصمين داخل مبنى "هاميلتون هول" التاريخي في الجامعة بعد إخلائه، بحسب إعلام أمريكي. ودخلت عناصر الوحدات الخاصة في الشرطة إلى مبنى "هاميلتون هول" من النوافذ وأزالت الحواجز
البيت الأبيض: معبر جديد لدخول المساعدات إلى غزة يفتتح هذا الأسبوع
أبريل 30, 2024
كشف البيت الأبيض، الثلاثاء، أن "معبرا جديدا لدخول المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، سيفتتح هذا الأسبوع". وقال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي: "سنبدأ قريبا برؤية شحنات طحين تدخل إلى غزة عبر معبر جديد". وأضاف كيربي، أن "المساعدات لغزة كانت موضوعا رئيسيا خلال اتصال بايدن ونتنياهو الأخير". وكانت وزارة الدفاع الأميركية
البرلمان السويسري يدعو إلى استئناف جزئي لتمويل "أونروا"
أبريل 30, 2024
أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني السويسري (البرلمان)، الثلاثاء، عن رغبتها في "الإبقاء على الدعم الجزئي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بشروط". وطالبت اللجنة، المجلس الاتحادي "بتقديم دفعة أولية للأونروا، لكنها اشترطت أن تكون المنظمة الإغاثية قادرة على ضمان أن الأموال السويسرية ستستخدم فقط للمساعدات الطارئة والمساعدات الإنسانية". وقالت إنها "ستترك
غزة.. "القسام" تبث مشاهد جديدة لاستهداف جرافة تابعة للاحتلال
أبريل 30, 2024
بثت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، اليوم الثلاثاء، مشاهد جديدة من استهدافها جرافة تابعة للاحتلال في بيت حانون شمال قطاع غزة وذلك في الـ22 من الشهر الجاري. وقالت الكتائب في بلاغٍ عسكري مقتضب تلقته "قدس برس"، اليوم الثلاثاء، "كتائب القسام تستهدف جرافة صهيونية عسكرية من نوع (D9) بقذيفة (الياسين 105) في بيت حانون شمال
"الجهاد الإسلامي": يجب أن يمتد الحراك الطلابي إلى جميع الدول العربية والإسلامية
أبريل 30, 2024
رحّب مسؤول "العلاقات الاسلامية" في حركة "الجهاد الإسلامي" في الساحة اللبنانية، شكيب العينا، الثلاثاء، بانطلاق الحراك الطلابي في لبنان دعما لغزة ومقاومتها، واستنكارا لعدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على القطاع. وقال العينا في تصريح لـ"قدس برس"، إنه من الضروري "وضع القوى والمنظمات الشبابية والطلابية برنامجا تصعيديا يشمل الساحات والجامعات كافة، من أجل الوقوف إلى جانب المقاومة
"يونيسف": آلاف الأطفال في جنوب لبنان خارج المدارس بسبب التصعيد
أبريل 30, 2024
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الثلاثاء، من الأثر الكبير الذي يخلفه التصعيد المستمر في جنوب لبنان، بين "حزب الله" اللبناني والاحتلال الإسرائيلي، على الأطفال "الذين بات الآلاف منهم خارج المدارس". وأعرب ممثل "يونيسف" في لبنان، إدوارد بيجبيدر عن "قلقه العميق تجاه الأطفال والأسر الذين أجبروا على ترك منازلهم، وإزاء الأثر طويل الأمد الذي يتركه