ما هي أبعاد استهداف الوجود الفلسطيني في لبنان وكيف واجهته "حماس"؟

أكد محمد أبو ليلى، الباحث الفلسطيني في القضايا السياسية المقيم في لبنان، أن "الأحداث الأمنية الأخيرة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، كشفت عن أهمية الدور الذي قامت به حركة حماس، من خلال إدارتها لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان، الذي يتعرض لمؤامرة إقليمية ودولية".

وأضاف أبو ليلى، في حديثه لـ"قدس برس"، أن "التوجه الذي يستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان أخذ أكثر من بعد، أولاهما تكتيكي يسعى لإنهاك المجتمع الفلسطيني في لبنان عبر سلسلة من الخطوات، تبدأ بحصاره، والعمل على زعزعة أمنه واستقراره، وتدمير بيوته وممتلكاته، وضرب وحدته، وافتعال الفتن، ونشر الفوضى في صفوفه".

وأشار إلى أن "البعد الثاني لاستهداف الوجود الفلسطيني في لبنان ذو سمة استراتيجية، من خلاله تسعى القوى المعادية للشعب الفلسطيني لاستغلال مرحلة ما بعد إنهاك ذلك الوجود، وتجويعه، وضرب وحدته، بحيث يكون قد حان الوقت للقضاء المبرم عليه".

وتابع: "وبذلك تنتهي واحدة من أعقد فصول المؤامرة التي تديرها الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، بمعاونة محلية وإقليمية، وللأسف فلسطينية وعربية، وبذلك تنتهي قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى غير رجعة".

• مسارات عمل "حماس"

وأكد أبو ليلى أنه "أمام هذا المخطط الخطير، متعدد الأوجه والمسارات، فقد اعتبرت حركة حماس أن تهديد الوجود الفلسطيني في لبنان خط أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه.

ووضعت "حماس"، بحسب الباحث الفلسطيني، مسارات استراتيجية خمسة لحمايته، أولاها "المحافظة على حق العودة، ومواجهة مشاريع التي تستهدفها، وثانيها صون الهوية الوطنية الفلسطينية، وثالثها مواجهة المشاريع التخريبية، ورابعها تمكين الشعب الفلسطيني من العيش بكرامة، وتعزيز صموده، وخامسها مواكبة تطورات القضية الفلسطينية، ودعم مقاومته الباسلة".

وأوضح أنه "منذ عام 2014، وأمام ما شهده اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من مشاريع خبيثة، تارة عبر فتح باب هجرة العائلات الفلسطينية، وتارة أخرى عبر الاستهداف الأمني، والاشتباكات العبثية المتكررة، وثالثة، عبر الضغط على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتقليص خدماتها بشكل خطير بفعل الحصار المالي، ورابعة، عبر حملة تشويه المجتمع الفلسطيني، واعتبار مخيمات اللاجئين بؤرة لـ(الإرهاب)، وتارة خامسة، سنّ قوانين لمنعه من التملك والعمل ونيل حقوقه كلاجئ مطرود من أرضه".

وأشار أنه "مقابل هذه المخططات العدوانية لاستهداف الوجود الفلسطيني في لبنان، فقد بذلت حماس مساعي حثيثة لحماية هذا الوجود: سياسيًا وأمنيًا، ووضعت كل ثقلها باتجاه توحيد الصف الفلسطيني، والتعاون مع جميع الفصائل من أجل تشكيل (هيئة العمل الفلسطيني المشترك)، وتعتبرها الحركة إطارا جامعا ومكسبا استراتيجيا يجب التمسك به".

وأضاف أن "كل هذه التطورات دفعت حماس باتجاه صياغة "المبادرة الفلسطينية في لبنان" تحت عنوان "حماية الوجود الفلسطيني في لبنان، وتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية – الفلسطينية"، وتهدف للمحافظة على المخيمات، وتحييدها، والعمل على منع الفتنة، والحؤول دون وقوع اقتتال فلسطيني– لبناني، أو فلسطيني– فلسطيني، وتنتهي بالتمسك بحق العودة، ورفض التوطين، ودعم وحدة لبنان، ومقاومة الشعب الفلسطيني".

• ضرب الوجود الفلسطيني
وأشار أبو ليلى إلى أن "حماس ضمن مسار حماية الوجود الفلسطيني في لبنان أطلقت حركة سياسية مكوكية لتعزيز علاقاتها مع الجانب اللبناني الرسمي والحزبي والأمني والعسكري، وعملت بشكل دؤوب على تعزيز العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، وتفعيل الأطر المشتركة، وتوحيد العناوين الرئيسية التي يجب تمسك الكلّ الفلسطيني بها، ويدافع عنها بغية حماية الوجود الفلسطيني".

وأكد أنه "على الصعيد الأمني، تقوم حماس بسلسلة إجراءات لوقف أي تطور عسكري أو أمني داخل المخيمات الفلسطينية، من خلال شبكة علاقاتها الواسعة مع القوى اللبنانية المعنية بالشأن الفلسطيني، والأجهزة الأمنية اللبنانية، وسلسلة اتصالات ولقاءات ومشاورات تجريها الحركة مع أكثر من مرجع فلسطيني وطني وإسلامي، والتواصل الدائم والمستمر مع السفارة الفلسطينية، وعقد لقاءات واسعة لهيئة العمل الفلسطيني المشترك".

وأضاف أن "حماس هدفت من كل هذه التحركات إلى منع حدوث أي تطور قد يقود إلى اشتباك عسكري مسلح يطول لأيام أو أسابيع، لاسيما وأن الظروف الأمنية والسياسية في لبنان لا تسمح لمثل هذه التحركات، في ظل الحديث عن سلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات".

وأشار إلى أن "مخيم عين الحلوة يحوز على رمزية سياسية، فهو عاصمة الشتات الفلسطيني، وأكبر المخيمات في الشتات، وأكثرها حضورًا وتفاعلاً في مجمل التطورات السياسية داخل فلسطين".

وأضاف: "رغم التحذير الدائم من مغبة الوقوع في شرك الاضطراب، وزعزعة الأمن والاستقرار، وبالتالي إنهاء وجود المخيم، فإن ما حذّرنا منه سابقًا بات واقعًا ملموسًا اليوم، والحقيقة التي يجب أن تقال أن مخيم عين الحلوة بات معرّضاً بشكل كبير لإنهائه كليًا، ضمن مسار ومخطط مدروس له غربيًا وإقليميًا ومحليًا".

وكشف أنه "لم يعد سرًا أن حماس امتلكت معلومات خطيرة عن أن بعض الدول الغربية وأدواتهم عملوا على زعزعة أمن واستقرار المخيمات، لضرب الوجود الفلسطيني، وتصفية قضيته، والدفع به للهجرة غير المشروعة إلى الدول الغربية، والضغط على الدولة اللبنانية من أجل توطين جزء منهم فيها".

• دور حماس
وأشار أن "الأحداث الأخيرة في مخيم عين الحلوة جاءت خطيرة، حيث تدحرجت الأمور لواحدة من أخطر الفصول التي يمر بها المخيم منذ عقود من الزمن، ولإدراك حماس بأن الوجود الفلسطيني عبر بوابة عاصمة الشتات قد اقترب بالفعل من نهايته، فقد عملت بكل إمكاناتها وقدراتها وعلاقاتها السياسية لاحتواء الموقف رغم التعقيدات التي تشوبه".

وكشف أبو ليلى أن "قيادة حماس السياسية تدخلت من أعلى الهرم، وأجرت اتصالات مع الأطراف اللبنانية الرسمية والحزبية والأمنية والعسكرية المعنية بالملف الفلسطيني، وعشرات اللقاءات والمقابلات، في إطار فهمها العميق بأن الوضع في مخيم عين الحلوة يسير باتجاه الانفجار الكامل، وبذلك يتم تحقيق أهداف جهات خارجية تتعلق بنزع السلاح الفلسطيني، وتهجير أهالي المخيم، وتكريس التوطين عبر توجيه من الأميركي والإسرائيلي".

وختم بالقول أن: "كل هذه العوامل والمتغيرات: محليًا وإقليمياً، تجعل الوجود الفلسطيني في لبنان في مرحلة حبس الأنفاس، ما يستدعي من الكلّ الفلسطيني، وليس حماس وحدها، التوحّد خلف العمل الفلسطيني المشترك، وجعل سقف التحرك الفلسطيني من خلال مخرجات هيئة العمل الفلسطيني، ورفض تفرّد أي جهة فلسطينية بمصير ثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني، والتعامل مع الأحداث الأخيرة بقوة الحديد والنار".

يشار إلى أن نائب رئيس "حماس" في الخارج، موسى أبو مرزوق، وعددا من قيادات الحركة في لبنان، التقوا على مدار الأيام الماضية بالقيادات السياسية والأمنية اللبنانية، مؤكدين على "موقف الحركة من وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، وإنهاء المظاهر المسلحة، وعودة النازحين، وفتح المدارس".

ووصل عدد القتلى جراء الاشتباكات بين مسلحي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ومجموعة تطلق على نفسها "الشباب المسلم"، منذ بداية المعارك بمخيم عين الحلوة، في تموز/ يوليو الماضي إلى 33، والجرحى إلى أكثر من 200.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
تظاهرة في العاصمة البلجيكية إحياء للنكبة وتضامنا مع الفلسطينيين
مايو 19, 2024
شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل، الأحد، تظاهرة حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بعدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وإحياء للذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية. وانطلقت التظاهرة التي نظمتها أكثر من ثلاثين منظمة أوروبية وبلجيكية، بالتعاون مع الجالية الفلسطينية في بلجيكا، من محطة القطارات الشمالية باتجاه مقرات المفوضية الأوروبية في العاصمة
غانتس يهدد وبن غفير يرد.. ما مصير حكومة الحرب "الإسرائيلية"؟
مايو 19, 2024
يشتد التجاذب السياسي يوما بعد يوم داخل حكومة الحرب "الإسرائيلية"، فبعد تهديد الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس مساء أمس السبت بالاستقالة إذا لم يوافق نتنياهو بحلول الثامن من حزيران/يونيو على خطة بشأن الوضع في غزة، تتضمن كيفية حكم القطاع بعد انتهاء الحرب مع حماس، هاجم وزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير غانتس متهما
برنامج أممي: نحتاج وصولا "مستداما" للمساعدات لمنع "المجاعة" شمال غزة
مايو 19, 2024
أكّد برنامج "الأغذية العالمي" (تابع للأمم المتحدة) على الحاجة لوصول "آمن ومستدام" للمساعدات، من أجل منع المجاعة في شمال قطاع غزة، "لكن أوامر الإخلاء (الإسرائيلية) تحول دون ذلك". وحذر البرنامج الأممي في بيان تلقته "قدس برس"، مساء اليوم الأحد، من أن "تصعيد القتال في شمال غزة سيعرّض الوصول إلى معبر بيت حانون للخطر، ويهدد التقدم
"أونروا": الادعاء بوجود مناطق آمنة أو إنسانية في غزة كاذب
مايو 19, 2024
قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، الأحد، إن "800 ألف شخص من النازحين الذين كانوا يقيمون في رفح، أجبروا على النزوح مرة أخرى بعد أن بدأت القوات الإسرائيلية العملية العسكرية في المنطقة". وأضاف لازاريني عبر حسابه على موقع "إكس"، أنه "استجابة لأوامر الإخلاء التي طلبت من الناس الفرار إلى ما
آلاف الفلسطينيين واللبنانيين يشيّعون جثمان قياديّ في "القسام" شرقي لبنان
مايو 19, 2024
شيّع الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان، اليوم الأحد، جثمان القيادي البارز في كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" في لبنان، شرحبيل السيد، الذي اغتاله جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي، في إحدى المناطق اللبنانية القريبة من الحدود السورية. ‏‎وانطلق موكب التشييع من مستشفى بلدة تعنايل البقاعية، مروراً ببلدة الصويري وصولاً إلى بلدة المنارة قبل
الأمم المتحدة: المعبر البحري ليس بديلا للممرات البرية في غزة
مايو 19, 2024
أوضح نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، الأحد، أن "الممر البحري لا يمكن أن يكون بديلا عن المعابر البرية في غزة". وقال حق، إنه "نظرا للاحتياجات الهائلة في غزة، فإن الغرض من الرصيف العائم هو إكمال عمل المعابر البرية الحالية للمساعدات التي تدخل غزة، ولا يُقصد منه أن يحل محل أي من